الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

الاخباراخبار مصر - اهم الاخبار المصرية › محمود صلاح يحقق: «الحلقة السابعة» هكذا قتلوا السادات.. من ملفات التحقيق فى النيابة العسكرية

صورة الخبر: السادات
السادات

سوف تمضى أعوام وأعوام قبل أن يستوعب أحد تفاصيل حادثة الاغتيال التى وقعت ظهر 6 أكتوبر عام 1981، فليس من السهل بمكان تصور أن يندس مدنيون بين قوات الجيش قبل العرض العسكرى بيومين، ويختلطوا بالجنود ويناموا معهم فى الخيام، دون أن يكتشف أمرهم أحد.

وليس فى قدرة أى إنسان مهما أوتى من خيال خصب، أن يرسم بخياله، ذروة الدراما الواقعية، التى رسمتها بالفعل رصاصات وقنابل الذين قتلوا أنور السادات، وهو يجلس فى عيد انتصاره بين كبار قواد جيوشه ورجاله وعشرات من رجال حرسه الخاص، ذلك أن الذين نفذوا حادثة الاغتيالات لم يكونوا يحلمون بالنهاية المأساوية التى وقعت، كانوا يريدون قتل السادات، لكنهم، وعلى ألسنتهم لم يكونوا واثقين من النتيجة، بل من الصعب أن يصدق أحد، أن منفذى حادثة الاغتيال، لم يكن أحد يعرف الآخر، حتى قبل وقوع الحادثة بأسبوع واحد.

وهذه ليست الحقيقة الوحيدة التى يكشف عنها التحقيق السرى الذى أجرى معهم، بل إن ملف هذا التحقيق ما زال يحوى كثيرا من الأسرار التى لا يعرفها كثيرون، لكن سطور التحقيقات المثيرة فى النهاية تجيب عن كل التساؤلات، وما بين السطور أيضا يقول الكثير والأهم هو ما جاء على لسان خالد الإسلامبولى وزملائه من خلال اعترافاتهم، التى لم تعلن بالتفصيل من قبل.

وهم يقولون فى الاعترافات.

هكذا قتلنا السادات.

كيف فعلوها؟

كيف اغتالوا أنور السادات وهو يجلس محصنا وسط الآلاف من رجاله وجنوده وحراسه؟ كاميرا التليفزيون التى نقلت لحظات معدودة من بداية الحادثة اهتزت فى يد المصور، ثم انقطع الإرسال وسط الصراخ ودخان القنابل ودوى طلقات الرصاص.
ولقد روى كثيرون من الذين كانوا فى المنصة ما حدث كل واحد منهم تحدث عما رأه فى تلك اللحظات العصيبة، ولم يكن هذا كافيًّا بحال ليرسم صورة ما حدث.

بعد أن استجوب محقق النيابة العسكرية عبود وطارق الزمر جاء الدور على صالح شاهين:

وروى صالح وهو مهندس ميكانيكا شاب فى الساعة السابعة والعشرين قصة لقائه الأول بمحمد عبد السلام محمد عبد السلام فرج فى بولاق الدكرور.

فقال: أنا من صفط اللبن، وهى بعد بولاق، وأتبع دينيًّا جماعة «التبليغ» فى مسجد أنس بن مالك بالدقى، الذى شيخه الشيخ إبراهيم عزت، وقد حدث العام الماضى أننا كنا نبنى مسجد الرحمة بالبوص فى القرية، كنا ثلاثة أشخاص صالح أحمد صالح وممدوح عيسى وأنا، وفجأة وجدنا شابًا غريبًا ملتحيًّا يصلى فى المسجد، وانتظرنا نشوف إيه وراه، وبعدما خلص قعد معانا وعرَّفنا بنفسه، وقال إنه من بولاق الدكرور، وإنه مهندس، وقال إنه بحث فى الإخلاص، فوجده شيئًا عظيمًا وبحرًا، والإنسان الذى لا يتعلمه تشوب أعماله الرياء، والرياء، يحبط العمل، وهكذا تعرف علينا ومشى.

اجلس معنا!

ويكمل صالح شاهين القصة قائلا: وبعد حوالى شهر ونصف جاء راكبًا موتوسيكلًا، وجلس فى الجامع، وقعد يتحدث عن الإخلاص، وأن نخلص عملنا لله، وأنه يجب أن نكون فى ما بيننا الجماعة الإسلامية الحقيقية، لأن الجماعات الحالية أصبحت إخوانية أى تتبع الإخوان المسلمين، ثم مشى، وبعد ذلك حضر زميل لنا مدرس مساعد فى كلية العلوم جامعة القاهرة قسم النبات اسمه الدكتور عبد المجيد الفقى، وكان قد عاد من السفر، وعلم محمد عبد السلام فرج بذلك، فذهب إليه فى القسم، وحاول زيارته، وحضر إلى الجامع مرتين، لكى يقابله، لكن الدكتور كان مشغولًا.

ويضيف: وبعد ذلك أصبح محمد عبد السلام فرج شخصًا عاديًّا بالنسبة لنا، ولم يعد يتكلم فى الجماعة الإسلامية، وبعد ذلك كلنا إذا أذن للصلاة ونحن فى بولاق الدكرور صلينا فى مسجد عمر بن عبد العزيز الذى يصلى فيه، وذات يوم كنت عائدًا من المدينة، وأذن لصلاة العصر، فدخلت لأصلى، وكان محمد عبد السلام فرج هناك فصلى بنا.

وبعد الصلاة قال لى: اجلس معنا.

قلت له: أنا لم أتناول طعام الغذاء بعد.

فأرسل وأحضر فولًا وخبزًا، وأكلت، وقال إنه صائم، وجلسنا نتحدث سويًّا، وكنت أقرأ فى كتاب «سبل الإسلام»، ودخل المسجد شيخ كبير فى الأربعين يرتدى «قميص زيتى» وطاقية.

فأشار إليه محمد عبد السلام فرج، وقال: هذا شيخ فيه بركة كثيرة، نفع الله به المسلمين.

وتبين لى بعد ذلك أن اسمه نبيل المغربى، وانتهى اللقاء، ومضيتُ، وبعد ذلك بفترة طويلة التقى بمحمد عبد السلام فى الجامعة، وأنا رايح للدكتور عبد المجيد لأن محمد بيشتغل فى إدارة الجامعة.

وقال لى: الشيخ نبيل حايجى الجامع عندكم.. توضبوا له مكان ليجلس معنا.

قلت له: إيه الموضوع.

قال لى: حاتعرف لما يجى.

أمسكنا.. ولم نقسم!

ويمضى صالح شاهين، قائلا: وجاء فى صلاة العشاء، ونظرا لأن بيتنا صغير، فلم نجد مكانًا يجلس معنا فيه منفردين، وأرسلنا إلى الدكتور عبد المجيد، وطلبنا منه أن يسمح لنا بالجلوس فى شقته، فجلسنا، ومعنا هذا الشيخ، وتحدث فى سورتى «التوبة» و«الأنفال»، وأحاديث عن الجهاد، وكان يكرر دائمًا أن الله سبحانه وتعالى وصف الذين لم يجاهدوا بأنهم منافقون، وأن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار، ويشربون صديد الكفار، وظل يردد أن من لم يستجب إلى نداء الجهاد فإنه من المنافقين، وأن المنافقين أقل درجة من الكفار والمشركين، لأنهم كما وصفهم الله فى الدرك الأسفل من النار، وقال إن المسلم إذا لم يستجب إلى نداء الجهاد فيجب عليه أن يحلق لحيته،. وأن يخلع قميصه، وأن يبحث له عن فتاة يغازلها وتغازله، وقال اقرؤوا عن المخلفين الذين تخلفوا عن الجهاد وكان الرسول والمسلمون فى عزة، فما بالنا بمن يتخلف عن الجهاد والإسلام ضائع ودين الله فى الأرض مهان.

ثم قال: لا بد أن تقسموا هذا القسم.

سألناه: ما هذا القسم؟

قال: أن تقولوا «أقسم بالله العظيم ثلاث مرات، أن لا أتحدث بهذا الأمر إلى أحد على الإطلاق حتى ولو كان من المتدربين معى».

وجلسنا نتناقش فى هذا القسم، وفى أنه لن يتيح لنا فرصة سؤال العلماء، أو من منهم أكثر علمًا منا.

فقال لنا: هذه أمور لا يسأل فيها غير الله ورسوله.

وهنا أنهى الدكتور عبد المجيد الجلسة قائلا: ما دام الأمر هكذا أذهب فأصنع لكم الشاى.

وقلنا له إننا سوف نقسم أن يكون الأمر سرًا، لكن سوف نسأل فيه فأظهر غضبه.

وقال نترك أمر القسم الآن سنتكلم فى أمور مهمة أغفلها المسلمون هى أمر الجهاد، وأمر الإعداد للجهاد، لكن بفضل الله منّ على المسلمين بناس يعدون منذ عشر سنوات لإقامة حكم الله فى الأرض. وأطلب منكم أن تقسموا كل ما فى الأمر سوف نعلمكم كيف تدافعون عن أنفسكم، هناك ناس فى الجيش ومدنيون، والأمر معد له تمامًا.

وأخذ يشرح الإغارات والكمائن ثم مضى إلى حال سبيله!

أنتم.. نساء الإسلام!

ويكمل صالح شاهين: وبعد ذلك قررنا أن تنقطع العلاقة بيننا وبينهم، حتى آخر شهر رجب عندما حضر نبيل المغربى إلى منزلى، وجلس يحدثنى فى أنى الآن متول عن الجهاد، وأن الله سوف يستبدل من هو خيرا منى، وأننى الآن وإن كان هو فى بيتى إلا أنه يقول الحق إننى فى عداد المنافقين ومن معى فى صفط.

وأخذ يصيح ويقول: هل أنتم رجال الإسلام.

هل أنتم الذين سوف يرتفع فوق هاماتكم الإسلام؟

هل أنتم الذين سوف ينتشر الإسلام على أيديهم؟

إنكم رضيت بحياة النساء، إنك الآن نساء الإسلام لا رجال الإسلام، والنساء فى الإسلام هم الذين لا يجاهدون فأنتم رفضتم الجهاد.

قلت له: الرسول صلى الله عليه وسلم ظل يجاهد ثلاث عشرة سنة فى مكة دون قتال.

فقال: خلاص.. ما دام الأمر كده يبقى ننسخ القرآن المدنى كله وخلينا فى العهد المكى.

وثم حدد لى موعدا التقى فيه معه ومع محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر وطارق الزمر وفى هذا اللقاء.

قال محمد عبد السلام محمد عبد السلام فرج: صفط.. كنا نظنكم رجالًا.

وانتهى اللقاء.. وظلت اللقاءات فاترة حتى أصيب محمد عبد السلام فرج ويحيى غريب فى حادثة فذهبنا لنزوره، وبدأنا نتردد عليه لما فى ذلك من ثواب، وفى يوم ذهبت إليه فى مستشفى المبرة، وقال إنه سوف ينتقل إلى شقته وشاركت فى نقله ولم أره بعد ذلك.

ويكمل صالح شاهين: وفى يوم جاءنى المدعو طارق الزمر ليلًا، وكانت قد سبقت هذه الأحداث بحوالى خمسة عشر يومًا مشاجرة بين والدى وأخى والجيران أدت إلى إصابة والدى ووالدتى وأخى، وظهر هؤلاء الرجال بمظهر القوة، فخفت من أن يهتز مركزى الذى أحظى به أمام الناس من احترام، فذهبت إلى يحيى غريب، وهو يعالج فى بيته وطلبت منه أن يعطينى مسدسًا حتى إذا رأى الجيران المسدس معى خشوا بأسى، فسكتوا عنى وعن أهلى. وهذا ما حدث بالفعل.

لا تتدخل فى ما لا يعنيك!

ويكمل صالح شاهين: وعندما جاءنى طارق الزمر طلب منى المسدس، وكانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، وقال لى إن منزل عبود الزمر قد هوجم، وإن عبود قد قبض عليه، وطلب منى أن أحلق لحيتى، وكذلك الأخوة بتوع صفط، وأن نوجد على كوبرى فى نهاية صفط، لكى نقوم بأى أعمال ضد الحكومة، لكنى رفضت ذلك.

وقلت له: أنت كنتم تقولون عنا إننا نساء الإسلام، وإننا رفضنا أن نستجيب إلى نداء الله، والآن تريدون منا أن نتحرك دفاعًا عنكم لا دفاعًا عن دين الله.

فذهب وتركنا، وقال إنه سوف يعود فى الغد، عندما عاد أخبرنا أن عبود لم يقبض عليه، وإنه بالهرم، ثم أرسل لى محمد عبد السلام فرج، ناصر رسوله الخاص عدة مرات، فلم أذهب إليه، وظل يرسل لى طوال أسبوع، وذات ليلة جاءنى ناصر.

وقال: محمد عبد السلام فرج يرديك الآن ضرورى.

فذهبت معه إلى منزل بالألف مسكن، كان يرقد فى شقة فيه، صاحبها يدعى أبو عبد السلام، جلست مع محمد عبد السلام فرج، وقال لى إنه يريد منى أن أحضر من عند طارق الزمر ذخيرة آلى، فذهبت إلى طارق الزمر، فقال لى إن شخصًا اسمه مجدى سوف يعطينى هذا الطلب تانى يوم فى ميدان التحرير، وفعلًا ذهبت إلى ميدان التحرير وقابلت مجدى، وأخذت منه لفة ذهبت بها إلى منزل أبو عبد السلام وتركتها هناك.

وقال لى أبو عبد السلام، محمد سوف يترك هذا المكان، ويذهب إلى مكان أكثر أمنًا.

وأخذنى وأطلعنى على هذا المكان هو عيادة فى حلمية الزيتون.. وحتى هذا الحد لم أكن أعلم أى شىء. سوى أن محمد عبد السلام، وكان ذلك قبل العرض العسكرى بيومين.

قال لى: بلّغ طارق أنه يبلّغ عبود. إن إحنا حنحاول نعمل حاجة فى العرض العسكرى.

سألته مثل ماذا؟

رد علىّ قائلًا: من حسن إسلام المرء أن لا يتدخل فى ما لا يعنيه.. وما على الرسول إلا البلاغ.

تصورات عبود الزمر:

يقول صالح شاهين: فأبلغت طارق الزمر الذى رد علىّ فى نفس اليوم، وقال لى إن عبود يقول إنه غير موافق، وتم إبلاغ محمد بذلك فغضب غضبًا شديدًا.

وقال: لن أنتظر رأيه.

وفى اليوم التالى قبل العرض حضر عبد الله سالم من عند عبود، والتقيت به فى التحرير، وكان محمد عبد السلام فرج قد طلب منى أن أحضر له 30 طلقة من عند عبود، وحضر عبد الله ومعه الطلقات وأخذته إلى العيادة التى يرقد فيها محمد عبد السلام فرج، وأخبره عبود موافق على أن يحصل شىء فى العرض يلهى الحكومة عن القبض على التنظيم بتاع عبود. وقرأ عبد الله سالم ورقة بها تصورات عبود لما يمكن أن يكون لو حدث شىء فى العرض العسكرى مثل دربكة وربكة يراها الناس فى التليفزيون، وقال ممكن نزيل حاجز الخوف عند الجماهير، فنضرب عربات الأمن المركزى الموجودة فى الميادين، وبعد ذلك نطبع منشورات، ونقول إن هذه هى الحركة الإسلامية، ويوم العيد تخرج مظاهرة من عابدين، حيث تقام صلاة العيد إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون، وأيضا إلى قصر عابدين، ومظاهرة أخرى إلى وزارة الداخلية، ومظاهرة أخرى من العباسية إلى وزارة الحربية.

يسأله المحقق: ومن الذى أحضر القنابل اليدوية؟

يقول صالح شاهين: أنا سمعت محمد عبد السلام فرج يقول أمامى إن محمد طارق سوف يحضرها، وقد حدث ذلك فى عيادة صفوت فى حلمية الزيتون.

يسأله المحقق: وكيف تقابلت مع طارق الزمر لإبلاغه رسالة محمد عبد السلام فرج التى طلب فيها الذخيرة.

يقول صالح شاهين: قابلته بناءً على اتفاق فى مواعيد ثابتة كنا نتقابل فيها يوميًّا الساعة الثانية عشرة ظهرا فى ميدان التحرير عند محطة أوتوبيس 15، وما حدث أنه عندما هوجم منزل طارق من قبل مباحث أمن الدولة التقيت به فى مسجد عمر مكرم عقب صلاة المغرب، وقال لى إنه سوف يكون موجودًا يوميًّا هو وعبد الله سالم فى نفس هذا المكان إن احتجت إلى شىء.

وأحرقت.. «الفريضة الغائبة»:

يسأله المحقق: ولماذا أعنت محمد عبد السلام فرج فى الحصول على الذخائر، وأنت تعلم فكره ومنهاجه.

يقول صالح شاهين: لأنه صوّر لى أن التنظيم قد كُشِفَ، وأن هذه الحركة التى سيقوم بها ستشغل الحكومة والحكام عن البحث عن عناصر التنظيم.

يسأله المحقق: ألم تكن تتوقع أن تؤدى هذه الذخائر إلى إراقة الدماء؟

يقول صالح شاهين: لم أكن أتوقع ذلك.. نظرا لأننى تعوّدت منه ومن رفيقه فى الفكر نبيل المغربى الكثير من الأفكار الصبيانية التى من الممكن أن تحدث فرقعات تشغل الرأى العام، ومثال ذلك أن نبيل العربى ذكر ذات مرة أمامى أنه يريد عربة للبوتاجاز، وأن يأتى على بعد من مكان اجتماع للحكام، ويشعل هذه الأنابيب بطريقة تحدث فرقعة فى الجو، فتُحدث ذعرًا يُفهم منه أن هناك عملًا كبيرًا قد حدث، فظننت أن ما سوف يحدث سيكون على هذا المنوال.

يسأله المحقق: هل قرأت كتاب «الفريضة الغائبة».. ومن مؤلفه؟

يقول صالح شاهين: نعم قرأته، ومعلوماتى أن الذى قام بتأليفه هو محمد عبد السلام فرج.

يسأله المحقق: هل هو مستقٍ من فكر جهادى سابق مثل فكر صالح سرية؟

يقول صالح شاهين: لا أعلم.

يقول صالح شاهين: وهل تؤمن بما جاء فى هذا الكتاب؟

يقول صالح شاهين: لم أقرأ منه سوى صفحة واحدة ثم أحرقته، لأنى خفت أن يضبط عندى فيكون قرينة ضدى!

دم السادات.. حرام!

يستمر المحقق فى استجوابه..

يسأله المحقق: ألا تدين بالسمع والطاعة لمحمد عبد السلام؟

يقول صالح شاهين: أدين له بالسمع والطاعة فى حدود معينة.

يسأله المحقق: وهل بايعته؟

يقول صالح شاهين: لا توجد بيعة.. لكن يوجد قسم مؤداه «أقسم بالله العظيم (ثلاث مرات) أن لا أتحدث بهذا الأمر إلى أحد على الإطلاق».

يسأله المحقق: وما الذى دعاك إلى اعتناق هذا الفكر الذى يسعى إلى إقامة الدولة الإسلامية بطريق إراقة الدماء الزكية؟

يقول صالح شاهين: عندما دعيتُ لم يُصور لى الأمر على أنه ستكون هناك إراقة دماء أو ما إلى ذلك، لكن الأمر لن يتجاوز أن يكون المسلم مستعدا، وأن يكون مهيًّأ للجهاد فى سبيل الله ضد أى عدو، وكانوا يلوحون فى البداية أن ذلك ضد ما يفعله الناصرى فى وادى النطرون، ولم يصوّر لنا على أساس أنه ضد المسلمين الناطقين بالشهادتين، وكانوا يقولون إنه توجد ميليشيا مسلحة للنصارى.

يسأله المحقق: وهل تؤمن حقًا بما جاء فى كتاب «الفريضة الغائبة» تصنيف محمد عبد السلام الذى تنضح كل صفحة من صفحاته بفكر واضح متجه إلى إباحة دم ولى الأمر ومن يواليه ووجوب قتله ومن يواليه كفريضة شرعية لا يصح إسلام المسلم بغيرها؟

يقول صالح شاهين: أنا بشخصى لا أؤمن بذلك. إذ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، ويسلم الإنسان إذا هو نطق بالشهادتين.

يسأله المحقق: والرئيس الراحل محمد أنور السادات رحمه الله.. هل كنت تعتبره مسلمًا دمه حرام؟

يقول صالح شاهين: نعم كنت أعتبره مسلمًا دمه وماله حرام، لكننى أعتبره صاحب فضل على الحركة الإسلامية.

أنت أفشيت.. السر!

وهنا سأله المحقق: ماذا كان رد فعلك بعد أن تبينت أن جماعتك قتلته رحمه الله؟

يقول صالح شاهين: أحسست بالضياع، وبأن مستقبلًا مظلمًا ينتظرنى وينتظر عامة المسلمين.

يسأله المحقق: وما التنظيمات الجهادية فى البلاد خلاف تنظيم محمد عبد السلام فرج؟

يقول صالح شاهين: هناك شق آخر من التنظيم فى الوجه القبلى يتزعمه كرم زهدى.

يسأله المحقق: وهل تجمعهما زعامة واحدة؟

يقول صالح شاهين: نعم فقد عرفت بطريقة المصادفة فى أثناء شجار بين نبيل المغربى ومحمد عبد السلام فرج أن هناك زعامة عليا يتولاها الشيخ عمر عبد الرحمن أميرًا عامًا، ويليه مجلس للشورى. وهذه الأمور يخفونها عن جميع أفراد التنظيم.

يسأله المحقق: وكيف حدث ذلك؟

يقول صالح شاهين: حصل شجار بين محمد عبد السلام فرج ونبيل المغربى، لأن نبيل عزل شخصًا من مسؤولى الجماعات، فنهره محمد وسبّه.

وقال له: أنت خنت الأمانة وأفشيت سرًا، وهو اسم الأمير.

وعندئذ استفسرت من محمد عبد السلام فرج، وأصررت على معرفة اسم الأمير العام، فقال لى إنه الدكتور عمر عبد الرحمن، وعلمتُ أنه يوجد مجلس للشورى.

هذه الغلطة!

فى نهاية الاستجواب يقول له المحقق: أنت متهم بالاشتراك مع محمد عبد السلام والقتلة الأربعة من جماعتكم، الذين اغتالوا الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وذلك بطريق الاتفاق والمساعدة، كما أنك متهم بحيازة ذخائر بغير ترخيص قانونى. فما قولك؟

يقول صالح شاهين: لم أكن أعلم أنهم سوف يقومون بهذه الكارثة الأليمة، إنما قالوا لى إنها عبارة عن حركة نشغل بها الحكام عن البحث عن أفراد التنظيم.. وأنا لم أحرز سلاحًا أو ذخيرة.. وكل ما فعلته أننى حملت «لفة» ذخيرة مسافة بضعة كيلومترات دون أن أرى ما بداخلها!

يسأله المحقق: هل لديك أقوال أخرى؟

يقول صالح شاهين: نعم إنى أوجه لكم باعتباركم أعلى هيئة قضائية فى البلاد كلامى هذا.. إن القضايا الفكرية، خصوصا المستند منها إلى الإسلام لا تعالج بالسجون، إذ إنكم فى أثناء التحقيق تظهرون بطلان الأدلة التى يستند إليها أهل الفكر، فينهم كل منهم أمام نفسه، ويعلم وأنا على رأسهم أنه قد أخطأ، وينوى التوبة، وعندما يودع أمثال هؤلاء فى السجون فإن الشباب بالخارج يظن أن ما فعلوه هو الحق، ومهما رددت أجهزة الإعلام من أنه باطل، إلا أننا نعلم أن الشباب الملتزم الذى يخشى من وقوعه فريسة لمثل هذا الفكر مرة أخرى، لا يلتفت على الإطلاق إلى كلام أجهزة الإعلام، فيظنون أن من صنعوا ذلك أبطال، فى الوقت الذى يتحسرون هم فيه على ما فعلوه وهم فى السجون، وهذا يؤدى إلى أن يتمثل الشباب بهم، وتصبح القضية غير منتهية.

يستطرد صالح شاهين: أما إن كان هؤلاء الأفراد يعيشون بين ظهرانينا فى جموع الشباب الملتزم، ويعلنون أمامهم أن ما فعلوه إنما هو خطأ، وأن المفروض أن لا ينخدع المسلمون بالشعارات البراقة، وأن الإسلام لا ينتصر بمثل هذه الأفعال الصغيرة، التى لا تؤدى إلا إلى ضرر بالغ بالحركة الإسلامية، فهذا سوف يكون أجدى وأنفع لمجتمع، أعتقد أننا جميعا يجب أن تنطوى جوانحنا على الحب له بالخير والازدهار والنماء، وإن كنا حقا جادين فى ادعائنا للإسلام فسوف ننشر بين الشباب الطريق الصحيح الذى تعلمناه بعد هذه الغلطة.

ويصمت صالح شاهين برهة..

ثم يقول للمحقق: أرجو من سيادتكم قبول توبتى.. وأن يفتح لى المجتمع صفحة جديدة ليرى فيها أعمال مواطن وطنى جديد.. خلاف ما كان بعد أن دمر عقله هؤلاء المخربون، وأن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة جميعا، والحديث الشريف الذى مضمونه أن عبدًا قتل تسعًا وتسعين نفسًا، ثم سأل عبادا فى توبته، فقال له: ليست لك توبة فقتله، وأكمل به المئة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فى زمانه، فدل على راهب فقال له: هل لى من توبة؟ فقال نعم، لكن الأرض التى أنت بها أرض سوء، فاتركها واذهب إلى قرية كذا.. وفى أثناء سيره فى الطريق مات، فتنازعت عليه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالوا نحتكم إلى أول من يأتينا من الرجال، فأرسل الله إليهم ملكًا فى صورة رجل، فقال علام تتنازعون؟ فقصوا عليه القصة، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإن كان إلى أيهما أقرب أخذته ملائكتها، فأوحى الله إلى الأرض التى بين أرض الرحمة أو أهل الخير أن تقاربى، وإلى الأرض التى بينه وبين أهل السوء أن تباعدى، وكان أن أخذته ملائكة الرحمة وتغمده الله برحمته.

وكان آخر ما سطرته أوراق التحقيق مع صالح شاهين عبارته التى يقول فيها: لذلك أرجو من حضراتكم قبول توبتى.. وأشهد الله سبحانه وتعالى أمامكم أنى تبت إلى الله.. وندمت على ما وقع منى من الذنوب والمخالفات.. وعزمت على أن لا أعود إلى ذنب يغضب الله أبدا، وأشهد الله على ذلك.. والله خير الشاهدين.

الفصل الثامن

ليس هذا فقط، إنما مقر فى التحقيق معه أن دم الرئيس أنور السادات حرام. أنه لم يكن ينبغى قتله، إنما التنبيه عليه بأن يحكم بكتاب الله.

هكذا قرر الشيخ عمر عبد الرحمن فى التحقيق معه فى قضية اغتيال السادات. كان عمر عبد الرحمن وقتها فى الثالثة والأربعين من عمره.. ويعمل أستاذًا بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط.

وفى نفس اللحظة التى كان يجرى فيها التحقيق معه، كان يتم استجواب ثلاثة آخرين هم طارق الزمر وصفوت الأشوح وعلاء عبد المنعم.

رفضت ثم رفضت!

فى بداية التحقيق معه..

قال المحقق لعمر عبد الرحمن: قال المتهم عبود الزمر إنك بويعت أميرًا للأمراء على جماعات الجهاد بالقطر المصرى كله، فهل هذا الكلام صحيح؟

يرد الدكتور عمر عبد الرحمن: هذا غير صحيح يسأله المحقق: لأننى لم أعرف من جماعات الجهاد إلا هذه المجموعة، التى كانت تجلس عندى بالفيوم، وهم أفراد معدودون، وعرضوا علىّ أن أكون أميرًا لهم فرفضت، وقلت أنا لا أعرف فى هذا الموضوع شيئًا، ولا أعرف كيف أقود هذه الجماعات، ولا أعرف ما أصنع فيها، وأنا رجل أعمى لا أستطيع تدبير هذه الأشياء، ولا تنظيمها، وأنا لا أستطيع تنظيم مجموعات ظاهرة جهرية، فكيف أستطيع إدارة مجموعات سرية؟

يسأله المحقق: من الذى عرض عليك هذا الأمر؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: كرم زهدى، وهو الذى عرفنى بباقى الأخوة عصام وعاصم وعبود الزمر ومحمد عبد السلام.

يسأله المحقق: وهؤلاء قادة جماعات جهادية أم ماذا؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: أعرف أن كرم يدرب مجموعات من الصعيد وعبود الزمر فى القاهرة.

يسأله المحقق: ما الذى تقصده بأنك لا تعرف من جماعات الجهاد إلا مجموعة صغيرة، بينما سؤالى كان عن جماعة الجهاد ما هى؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: الذى أقصده أننى لم أعرف أناسًا يدربون مجموعات على الأسلحة إلا هؤلاء.. ولا أعرف غيرهم.

يسأله المحقق: ولأى غرض يتم هذا التدريب لجهاد عدو فى الخارج أم لجهاد العدو داخل البلاد؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: قالوا لى إنهم يتدربون لإقامة الدولة الإسلامية.

يسأله المحقق: بأى طريق؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: أفهمونى أيضا أن ذلك يكون بطريق السلاح والعنف.

يسأله المحقق: وضد من يصوب السلاح ويستخدم العنف؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: ضد الذين لا يحكمون بكتاب الله.

يسأله المحقق: الحكام أم أحاد الناس؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: هم يقولون الحكام ومن يعينهم؟

يسأله المحقق: قال عبود الزمر فى التحقيق إنك ترددت ثم قبلت؟

يؤكد الشيخ عمر عبد الرحمن رفضت.. ثم رفضت!

يسأله المحقق: كما قال إنك أفتيت بحل دم الرئيس شرعًا؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: لم أفتِ بحل دم الرئيس ولا غيره.

يسأله المحقق: وقال كذلك إنك أفتيت بحل أخذ الغنيمة من الصاغة النصارى لأنهم يعينون الكنيسة؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: قلت إن المسيحيين على ثلاثة أقسام: من قتل منهم مسلمًا يقتل، ومن أعان الكنيسة واشترى سلاحًا للإعداد لحرب المسلمين يحل ماله، ومن لم يفعل هذا ولا ذاك فماله ودمه حرام.

لا يحل دم السادات!

قال له المحقق: لكنك أفتيت لهم؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: أنا أفتى لهم كما أفتى لغيرهم.

يسأله المحقق: قال عبود الزمر إنك أفتيت لهم بشأن الجنود وأخذ أسلحتهم؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: لم أفتِ لهم بذلك، وعبود الزمر يعلم ذلك جيدا.

يسأله المحقق: بماذا أفتيت لهم فى هذا الموضوع؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: كلما سألونى أو سألنى غيرهم قلت إن دماء الأمن والشرطة وغيرهم حرام، وكذلك أخذ أسلحتهم.

يسأله المحقق: أنت تعلم أن منهاجهم هو مجاهدة الحاكم بالسلاح والعنف، وجاؤوا يستفتونك كما ذكرت.. فهل نهيتهم عن ذلك؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: لم أنههم عن ذلك.

يسأله المحقق: لكن ذلك باطلًا شرعًا.. أنت رجل علم، أليس من واجبك أن تنهى عن المنكر وتأمر بالمعروف.. لماذا لم تنههم عنه؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: هذا من واجبى.. وقد قصرت فيه.

ويواصل المحقق أسئلته للشيخ الضرير.

فيقول له: هم صغار فى السن.. وأنت أكبر منهم وأعلم، وجلسوا إليك يريدون التعلم.. لماذا لم تهدهم إلى الرشاد وبما علمك الله تعالى؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: هذا واجب علىّ أن أعمله.. وقد أخطأت فى القيام به.

يسأله المحقق: تقصد أن مجاهدة الحاكم بالسلاح والعمل على قتله ومن يواليه حرام شرعًا؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: الحاكم الذى لا يحكم بكتاب الله يجب أن ينبه عليه بأن يطبق الشريعة وينفذ حكم الله.

إذن ما عقيدتك الدينية بشأن استحلال دم رئيس الجمهورية محمد أنور السادات رحمه الله؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: عقيدتى الدينية أنه لا يحل دمه.

يسأله المحقق: على أى أساس من الشريعة الإسلامية؟

يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: بشأن الحاكم بغير كتاب الله كما جاء فى القرآن، فأولئك هم الكافرون، فأولئك هم الظالمون، فأولئك هم الفاسقون.. وإذا كان الحاكم قد نوقش وجودل فى هذا الأمر، أى الحكم بكتاب الله وعدل عنه، ورأى أن القانون الوضعى أفضل، فهو ظالم وفاسق، وإذا لم يناقش أو يحاج فى هذا لا يصح قتله، وأنا لا أعلم أن الرئيس محمد أنور السادات نوقش فى هذا الأمر.

المصدر: التحرير

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على محمود صلاح يحقق: «الحلقة السابعة» هكذا قتلوا السادات.. من ملفات التحقيق فى النيابة العسكرية

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
40912

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
استطلاع رأي طريق الأخبار
أرشيف استطلاعات الرأي

استطلاع رأي طريق الاخبار

أهم توقعاتك لمستقبل مصر بعد تنصيب السيسي؟

إظهار النتائج

نتائج استطلاع رأي طريق الاخبار لا تعبر عن رأي الموقع انما تعبر عن رأي المشاركين في الاستطلاع

إرسل إلى صديق
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث الاخبار العربية والعالمية