الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

الاخباراخبار مصر - اهم الاخبار المصرية › "الوطن" تنفرد بنشر أخطر "الصفحات المفقودة" في مذكرات سعد الدين إبراهيم

صورة الخبر: سعد الدين إبراهيم
سعد الدين إبراهيم

عذبونى فى «أمن الدولة» على الطريقة الصينية: وضعوا رأسى بالقرب من «حنفية» تتساقط منها قطرات المياه فوق مركز المخ حتى أصبت بـ«انهيار» فى الجهاز العصبى

فوجئت بـ30 شخصاً من الشرطة والنيابة يقتحمون منزلى.. وصادروا معظم «المنقولات».. ثم قادونى إلى «المركز» فى سيارة ترحيلات

عندما وصلت إلى المركز وجدت المديرة المالية معصوبة العينين.. وتصرخ من الخوف

النيابة العامة وجهت لى 3 اتهامات: تلقى تبرع قدره 260 ألف يورو من المفوضية الأوروبية دون استئذان مسبق بالمخالفة لأمر عسكرى.. والتحايل على جهة التبرع والإساءة إلى سمعة مصر.. وعاقبونى بالسجن 7 سنوات

الحواريون يواجهون الرئيس دائماً بـ«الجملة الحاسمة» التى يحولونها من «تصور» إلى «يقين»: أنت الرئيس الملهم والقائد الفذ.. وهدية الله والقدر إلى شعبك ووطنك.. من يخلفك غير نجلك الذى يحمل صفاتك العبقرية؟!

أى حاكم عربى يظل فى السلطة أكثر من 10 سنوات يشعر أنه وأسرته أصبحوا يملكون البلد كـ«ضيعة أو غنيمة»

المسئولون السوريون استغلوا جنازة حافظ الأسد إعلامياً للترويج للنظام.. و«بشار» كان يتصرف باعتباره رئيساً فعلياً
كتبت رسالة إلى «الأسد وصدام والقذافى ومبارك وعلى عبدالله صالح» مقترحاً عليهم تطبيق «الملكية الدستورية» التى تضمن لهم التوريث وتضمن للشعب الديمقراطية.. وأطلقت مصطلح «الجملوكية» على الهواء مباشرة

حاولت التهرب من الحديث عن إمكانية التوريث فى مصر لكننى اضطررت تحت ضغط الأسئلة إلى الموافقة.. واتصلت بى «المجلة» وطلبت مقالاً مفصلاً عن المصطلح الجديد.. وفى الصباح سحب «أمن الدولة» كل النسخ من باعة الجرائد

من قرأ مذكرات الدكتور «سعد الدين إبراهيم» التى نشرها العام الماضى (2013) لا بد أنه لاحظ أن ثمة حلقة مفقودة بها، وفترة زمنية غائبة فيها. فقد استعرض الرجل سيرته ومسيرته بدءاً من لحظة الميلاد وطفولته بقرية «بدين» بالدقهلية، ليتنقل بعد ذلك بين العديد من المحطات، من بينها محطة رحلة التكوين العلمى والفكرى والإنسانى، وكفاحه العريض -عبر ربع قرن من الزمان- دفاعاً عن حق مصر فى حكم ديمقراطى رشيد، ثم تجربته فى منتدى الفكر العربى، ومجلس التعاون، ثم مشروعه الأهم والمتمثل فى مركز «ابن خلدون». طاف بنا سعد الدين إبراهيم فى محطات عدة عبر مذكراته المنشورة، لكنه قفز على الفترة من عام 2001 وحتى العام 2011، فبعد أن شرح فى مذكراته تفاصيل بناء وتطور مركز «ابن خلدون» (1990-2000) طار فجأة إلى عام 2012، رغم أن الفترة التى أسقطها الدكتور «سعد» كانت حبلى بالعديد من الأحداث التى مست حياته وتجربته السياسية والإنسانية مساً مباشراً، بالإضافة إلى ما احتشد فيها من أحداث يمكن وصفها بـ«التحضيرية» للتحول الجلل الذى شهدته مصر يوم 25 يناير 2011. جريدة «الوطن» كعادتها حاولت البحث والتفتيش عن المسكوت عنه فى مذكرات الدكتور «سعد الدين إبراهيم» وأقنعته بأن تحتوى صفحاتها ما لم يقله فى مذكراته المنشورة، فكانت هذه الحلقات التى تتناول المقدمات والأفكار التى طرحها حول «الجملوكية»، ذلك المصطلح الذى سكَّه الدكتور «سعد» أثناء التعليق على جنازة الرئيس «حافظ الأسد»، وتناوله بالتحليل والتفنيد فى سلسلة من المقالات كانت السبب المباشر وراء إقدام نظام الرئيس الأسبق «مبارك» على الحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، تعرض فيها للتعذيب على الطريقة الصينية، وتتضمن السطور الجديدة التى حصلت عليها «الوطن» تفاصيل تجربة الدكتور «سعد» داخل السجن. من داخل زنزانته واصل الرجل العمل، ولم يتوقف عن سعيه للإصلاح السياسى والاجتماعى فى مصر، فبادر بطرح مشروعيه فى مجال محو الأمية والمشروعات الصغيرة، ودفع بعض رفاق المحنة -ممن لا يتفق معهم فى أفكارهم السياسية ابتداءً- إلى الحصول على شهادات جامعية، من هؤلاء «صبرة القاسمى» و«نبيل نعيم». يحكى الدكتور «سعد» فى هذه الحلقات أيضاً تفاصيل الحادث الذى وقع له فى الزنزانة نتيجة التعذيب على الطريقة الصينية، والدعوات التى تدفقت من الداخل والخارج مطالبة بالإفراج عنه، والشخصيات التى زارته فى محبسه، ومن بينها السفراء والقناصلة الأمريكيون والسفير البلجيكى، نيابة عن سفراء المجموعة الأوروبية، ورفض الجامعة الأمريكية قبول استقالته عندما تقدم بها إليها رفعاً للحرج، وإصرار المسئولين بها على دعمه حتى يخرج من السجن.

والأخطر فى هذه الحلقات أن الدكتور سعد الدين إبراهيم يروى فيها بالتفصيل اللقاءات التى تمت بينه وبين عدد من قيادات جماعة الإخوان داخل السجن، وعلى رأسهم «خيرت الشاطر»، وإلحاح هذه القيادات عليه للتوسط بينهم وبين الإدارة الأمريكية وتزكيتهم لدى السفراء الأجانب، ثم الاجتماعات التى تمت بينه وبين الإخوان عقب خروجه من السجن، والوصايا التى تقدم بها إلى «الأمريكان» للتعامل مع التيارات الإسلامية، وكيف انتهت حوارات الجماعة مع الأجانب إلى علاقة ممتدة. ويحكى أيضاً سر لقاءاته مع الرئيسين الأمريكيين بوش وكارتر، وقصة ترشحه لرئاسة مصر فى انتخابات 2005، وكيف أن الرئيس مبارك استدعى السفير الأمريكى بالقاهرة ووبخه بسبب الاجتماع الذى تم بين «بوش» و«سعد الدين». وتتضمن هذه الحلقات تفاصيل العلاقة التى جمعت بين «سعد الدين إبراهيم» والشيخة «موزة»، ومبادرة الصلح التى سعى من خلالها إلى إعادة المياه إلى مجاريها بين مصر وقطر أواخر عصر «مبارك»، والإشاعات والأكاذيب التى روجها البعض فى هذا السياق حول حصوله على ملايين الدولارات من قطر. تنتقل الحلقات بعد ذلك إلى محطة زيارة سعد الدين إبراهيم لإسرائيل، ثم لقاؤه مع أوباما، ويطرح فى هذا السياق معلومات جديدة حول الزخم الداخلى والخارجى الذى سبق اندلاع ثورة 25 يناير 2011، والأحداث التى تلت الثورة وتحركات الإسلاميين بأطيافهم المختلفة داخل المشهد السياسى واللقاءات التى عقدها معهم، والتفاعلات التى ارتبطت بانتخابات الرئاسة (2012) وعلاقته بالفريق أحمد شفيق. وتختتم هذه الحلقات برؤية «سعد الدين إبراهيم» الإنسان لفكرة «الموت»!. إنها سطور جديرة بالقراءة.

فى شهر يونيو 2000، مات الرئيس السورى حافظ الأسد بعد مرض طويل. ورغم أن الوفاة كانت متوقَّعة، فإن الحدث هز المنطقة؛ فقد كان رئيساً لبلد عربى مهم فى المشرق لما يقرب من 30 عاماً، أى أن معظم السوريين والعرب لم يعرفوا رئيساً لسوريا سواه، كما أن رئاسته تمثل أكثر من نصف تاريخ سوريا الحديث، وجاءت بعد سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية التى كان أولها عام 1949 فى أعقاب أول هزيمة عربية فى الصراع على فلسطين؛ لذلك كان من حسنات الرجل أنه أعطى سوريا أطول فترة استقرار سياسى فى العصر الحديث.

ولأن سوريا تجاور حدودياً 6 بلدان مهمة فى الشرق الأوسط، مثل «تركيا وإسرائيل (فلسطين)» فإن استقرارها ينطوى على مساهمة فى الاستقرار الإقليمى، والعكس صحيح. وقد لعب «حافظ» بورقة الموقع الإقليمى لسوريا بمهارة منقطعة النظير؛ فقد شارك مع مصر فى حرب أكتوبر 1973، ثم فى الحرب الأهلية اللبنانية وفى حرب تحرير الكويت فى بداية التسعينات؛ لذلك لم يكن مستغرباً أن يهرع عشرات من زعماء العالم للمشاركة فى جنازة «الأسد» واستعدت لذلك كل وسائل الإعلام العربية والعالمية ومنها شبكة الإعلام العربى «أوربت» وكانت من الفضائيات العربية الرئيسية ووجهت إلىَّ دعوة للمشاركة فى تغطية الجنازة مع أحد مذيعيها الذى كان يقدم برنامجاً حوارياً يومياً بعنوان «على الهواء» وكنت قد ظهرت ضيفاً فى البرنامج عدة مرات، كما كان لى دور فى إنشاء هذه الفضائية فى الأساس من خلال دراسة كنت أعددتها للأمير خالد بن عبدالله بن عبدالرحمن آل سعود، شقيق أحد أصدقائى من أيام الدراسة فى «سياتل»، وهو الأمير «بندر».

وافقت على الدعوة دون أن أدرك أو يدرك المسئولون عن الشبكة أن الحدث سيستمر 12 ساعة منذ الثامنة صباحاً إلى الثامنة مساء؛ حيث استغل المسئولون السوريون المناسبة إعلامياً للترويج للنظام داخلياً وعربياً وعالمياً، وطوال هذه الساعات كانت الكاميرا تتابع المعزين من مختلف الدول منذ الوصول للمطار إلى القصر الجمهورى، حيث مقر العزاء، وكان علىَّ أن أعلق على العلاقات بين سوريا والبلد الذى حضر منه هذا الزعيم أو ذاك، وأن أجيب عن أسئلة المشاهدين من كل أنحاء العالم، وضمن ما أثير من تساؤلات بهذه المناسبة كانت قضية «الخلافة»، بمعنى: من سيخلف حافظ الأسد فى رئاسة سوريا؟ ولم تكن الإجابة صعبة أو تحتاج إلى خبير، فقط كان بشار الأسد، نجل الرئيس الراحل، هو الذى يستقبل الرؤساء والزعماء، رغم أنه لم يكن يشغل منصباً رسمياً يؤهله لذلك؛ فقد كان هناك نائب رئيس ووزير خارجية.. وكانوا جميعاً مؤهلين بروتوكولياً لاستقبال الزعماء الأجانب، والمهم أن ضمن ما قلته رداً على من أثاروا هذا التساؤل هو: إننا بصدد ظاهرة جديدة فى العالم العربى، وهى إعداد رؤساء الجمهوريات لأحد أبنائهم لكى يخلفوهم فى السلطة أسوة بالملكيات فى بعض أنحاء أوروبا وفى بعض الممالك العربية. وتلقيت على الهواء عدة أسئلة على هذه الملاحظة وكان الوقت يسمح للمشاهدين ولى بالاستطراد فى التعليق، ومع قرب نهاية تغطية الحدث كنت أنا والمشاهدون قد طورنا نظرية عارضة تحت اسم «الجملوكية» وهى كلمة منحوتة من طبيعة هذه الظاهرة الجديدة فى الجمهوريات العربية التى جعلتها تقترب من الملكيات الوراثية؛ وبذلك فهى جمهورية اسماً وملكية فعلاً ووجدت أن أقرب كلمة لهذا المفهوم هى «جملوكية»، وضمن ما قلته فى تطوير هذه الملاحظة: إنه يبدو أن أى حاكم عربى يظل فى السلطة أكثر من 10 سنوات يشعر هو وأسرته أنهم أصبحوا يملكون البلد كضيعة أو غنيمة وكأى «ملكية خاصة»، فيقتنع أن من حق ذويه أن يرثوها من بعده، فإذا كان من بينهم ابن تجاوز الثلاثين تصبح الرئاسة من نصيبه، وبعد هذا التطوير فى الصياغة تلقيت سؤالاً مداعباً أو مشاغباً من د. غسان سلامة، أستاذ العلوم السياسية فى السوربون بباريس، عن البلدان العربية الأخرى التى يمكن أن تنطبق عليها نظرية «الجملوكية» هذه، فقلت: يبدو لى أنه إلى جانب سوريا فإنها تنطبق على العراق واليمن وليبيا، أما تونس فلا يوجد للرئيس زين العابدين بن على ذكر، فتلقيت سؤالاً آخر على الفور: وماذا عن مصر؟ ورغم محاولة التهرب من الإجابة بدعوى أن مصر مختلفة وأنها دولة مؤسسات وأن حسنى مبارك نفسه كان قد نفى هذا الاحتمال، فإن السائل أصر على أن سوريا والعراق أيضاً بهما نفس المؤسسات فأذعنت وقلت: هذا صحيح. ووجدت فى النهاية أنه لا مفر من الإجابة فقلت نصاً: «ويمكن أن نرى نفس الشىء فى مصر أيضاً». وانتهى البرنامج وعدت إلى منزلى، وفى اليوم التالى اتصلت بى مجلة «المجلة» الأسبوعية التى تصدر من لندن، وألحَّ علىَّ رئيس التحرير أن أكتب لهم مقالاً عن «الجملوكيات العربية» واستجبت، وكان نص المقال الذى تسبب فى سجنى على النحو التالى:

«كانت كلمة جملوكية مصطلحاً جديداً نسهم به فى تنمية قاموس السياسة العربية المعاصرة؛ فرغم ثراء اللغة العربية وتنوعها فإنها لم تصك إلى تاريخه مثل هذا المصطلح الذى يصف حالة فريدة تسهم بها الثقافة السياسية العربية فى إغناء علم الاجتماع السياسى، والحالة الفريدة هى وراثة الحكم ابناً عن أب فى أنظمة حكم جمهورية؛ لذلك فرغم البداية الجمهورية لبعض بلداننا العربية فإنها تنتهى فى واقع الحال إلى أنظمة حكم ملكية رغم أنها تظل جمهورية فى الظاهر؛ لذلك نقترح هذا المصطلح الجديد (جملوكية)، الذى هو نتاج كلمتى جمهورية وملكية. صحيح أن فى المصطلح الجديد من الملكية أكثر ما فيها من الجمهورية، ولكن ذلك تحسباً لقرب اختفاء حرفى الجيم والواو مع الحفيد القادم فتكون العودة كاملة إلى الكلمة الأصلية وهى ملكية.

والذى أوحى بالمداعبة الجملوكية هو ما شهدته سوريا والوطن العربى والعالم فى الثلث الثانى من شهر يونيو من رحيل الرئيس السورى حافظ الأسد الذى حكم سوريا قرابة ثلاثين عاماً ثم الجهر باسم نجله الأكبر الدكتور بشار الأسد مرشحاً لخلافة أبيه وعرف الناس بسرعة ما كانوا يجهلونه عن بشار وعن سرعة وكفاءة الأجهزة السورية؛ لذلك تعامل الناس فى سوريا والشرق الأوسط مع الخلافة البشارية كأمر مسلَّم به منذ لحظة إعلان وفاة الرئيس حافظ الأسد، وكان حافظ الأسد فى الثمانينات، وبعد أن استقرت له السلطة تماماً فى كل من سوريا ولبنان قد أعد شقيقه رفعت الأسد لخلافته، ولكن مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، ومع استمرار استقرار السلطة، فكّر فى أن يخلفه ابنه (باسل)، ولكن كما نعلم جميعاً فقد قُتل (باسل) فى حادث سيارة مروع وهو فى الطريق إلى المطار عام 1994.

وبعد فترة الحداد، أرسل للابن الثانى (بشار)، الذى كان يكمل دراساته العليا فى طب العيون فى بريطانيا لكى يعود على عجل استعداداً للتدريب والتهيؤ لوراثة الرئاسة ولأنه لم يكن مهتماً أو مشغولاً بأمور السياسة أو الرئاسة مثلما كان أخوه الراحل، فإن أمر الإعداد أخذ وقتاً وجهداً كبيرين، فقد كان على (بشار) أن يخلع معطف الطبيب الأبيض ويلبس الزى العسكرى الكاكى، وسرعان ما رُقى فى غضون سنوات قليلة إلى عقيد ثم لواء، وبعد أيام من وفاة والده رُقى إلى رتبة فريق، ولم يقصر مجلس الشعب السورى (البرلمان) ولا الحزب الحاكم (البعث) فى القيام بدوريهما على عجل؛ فقام الأول بتعديل الدستور لكى يخفض سن الترشح للرئاسة من 40 إلى 34 سنة، هو عمر الابن (بشار)، وقام الثانى فى مؤتمره الحزبى بعد دفن الوالد بأربعة أيام بإعادة تشكيل أمانة الحزب ومكتبه السياسى وانتخاب (بشار) زعيماً للقيادة القُطرية للبعث السورى، وبذلك استكمل كل المؤهلات الشكلية للترشح للرئاسة ولم يبقَ إلا اعتماد ترشيح مجلس الشعب للدكتور الفريق بشار الأسد للرئاسة، ثم يتبعه الشعب السورى نفسه فى استفتاء لاعتماد الترشح، الذى يتوقع أغلب المراقبين حتى المتشائمين منهم ألا تقل نتيجته عن 95%.

لقد تعامل كثير من الزعماء العرب والأجانب مع بشار الأسد فى العامين السابقين لرحيل حافظ الأسد كما لو أنه هو الخليفة المنتظر وتعامل جميعهم معه أثناء جنازة والده الراحل كما لو أن (بشار) هو الرئيس بالفعل وتصرَّف (بشار) نفسه أيضاً تصرفاً رئاسياً وقوراً أثناء الجنازة وفترة الحداد، ونحن لا نعرف يقيناً كيف يفكر أو يشعر الشعب السورى نحو هذه الوراثة التى حوَّلت نظام بلاده من جمهورية كان يتصارع على رئاستها السياسيون والعسكريون ما بين عامى 1946 و1970 إلى جمهورية وراثية فى عائلة واحدة مع حلول عام 2000، والذى نعرفه يقيناً هو أن إحدى الفضائيات العربية المستقلة استفتت مشاهديها على السؤال التالى: هل توافقون أو تعارضون توريث رئاسة الجمهورية ابناً عن أب كما هو مقترح فى سوريا؟ وكانت إجابة من استجابوا هى 21% موافقين و79% معارضين، وطبعاً هذه عينة غير ممثلة تماماً ولكنها أقرب شىء نملكه لمعرفة المزاج الشعبى فى هذه اللحظة التاريخية، ولا بد من التنويه إلى أن الذين أجابوا عن الاستفتاء الفضائى كانوا من بلدان عربية مختلفة، أى لم يكونوا فقط سوريين، وطبعاً سنعرف نتيجة استفتاء السوريين فى منتصف يوليو، التى كما قلنا توقع المراقبون أن تكون حوالى 95%، ولكن عندما تم مزيد من استجواب الأقلية (21%)، التى وافقت على الوراثة فى استفتاء محطة أوربت الفضائية، قال معظمهم إن حافظ الأسد وفر لسوريا استقراراً لم تشهده فى تاريخها الحديث، وقال البعض إن (الأسد) قد وفر لسوريا مكانة إقليمية لم تتوافر لها أبداً من قبل، وقال البعض الثالث إن (الأسد) كان يمثل آخر قلاع الصمود العربية فى مواجهة الصلف الإسرائيلى، أما الأغلبية التى رفضت مبدأ الوراثة فى الأنظمة الجمهورية العربية فقد كان رفضها مبدئياً وكأن لسان حالها هو: إنه مهما كانت صفات الأب وحسناته وهو رئيس للدولة فليس هناك ضمان أن الابن ستكون له الصفات والحسنات نفسها، هذا فضلاً عن أن العديد ممن رفضوا مبدأ التوريث ذكروا العديد من سلبيات نظام الرئيس السورى الراحل ومن سيئات حزب البعث الحاكم.

وكنت قد نشرت فى عام 1999 مقالين فى صحيفتى الأهرام القاهرية، والحياة اللندنية؛ أحدهما بعنوان (دعوة إلى ملكيات دستورية فى الوطن العربى)، وكنت فى المقال الأول أتنبأ بما يمكن أن يحدث فى بعض الجمهوريات العربية مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر، حيث طال الأجل برؤساء الجمهورية فيها، وحينما يطول أجل أى رئيس فى الحكم ينسى أو يتناسى عادة كيف جاء إلى الحكم فى المقام الأول، ويتصور أنه كان هدية الله والقدر إلى شعبه ووطنه، ويساعده الحواريون والمنافقون من حوله فى تحويل هذا التصور إلى يقين، ثم إلى واجب مقدس فى قلبه وعقله فى كيفية ضمان الاستمرار والاستقرار والازدهار لشعبه المفدَّى، وسرعان ما يقرأ الحواريون والمنافقون أنفسهم ما يدور فى قلب وعقل الرئيس، أو يوحى لهم بهذه القراءة فيبدأون التبشير لنجله بالرئاسة، وحجتهم الأولى والحاسمة التى لا رادَّ لها هى من فى هذا الكون كله يمكن أن يخلف الرئيس الملهم والقائد الفذ والزعيم المحنك غير نجله الذى هو من صلبه ومن لحمه ودمه ويحمل كل صفاته العبقرية!

ورغم أننى كتبت المقال قبل عام من رحيل الرئيس حافظ الأسد، فإن 99.9% مما تنبأت به قد حدث بجوهره ومظهره شكلاً ومضموناً، ولا يمكن أن أدعى أننى دائماً العالم الاجتماعى السياسى الذى تصدق كل أو حتى معظم تنبؤاته، ولكن يبدو أنه مع رؤسائنا العرب يمكن التنبؤ. لقد أصبحنا نعرفهم مثلما أصبحوا هم يعرفوننا، ومن ضمن ما يعرفونه أن أغلبيتنا الصامتة ضدهم تتحول إلى أقلية تافهة فى لحظة الاستفتاء العلنى، والعكس صحيح، فحتى إذا كانت أقلية صغيرة فقط هى التى توافق على أن يخلف الابن أباه فى رئاسة الجمهورية فى استفتاءات الفضائيات العربية، إلا أن هذه الأقلية المؤمنة قادرة بإذن الله فى غضون أيام قليلة من افتقاد القائد الراحل على إقناع الأغلبية المعارضة لا فقط بتغيير رأيها والموافقة على مبدأ توريث الشعب للابن بعد أبيه، بل والترحيب والابتهاج بهذا الانتقال السريع والسلس للملكية، وبذلك أيضاً فإننا كعرب نثبت للعالمين أنه شتان ما بين استفتاءات المحافظة على تقاليدها ووقارها، وما بين استفتاءات الفضائيات، وهى إحدى بدع العولمة، واستفتاءات الأرض العربية التى هى تعبير عن أصالة واقعنا وتراثنا، حتى وإن اعتقد بعض المغرضين أنه تراث الاستبداد الشرقى، فالاستبداد لا يهم ما دام شرقياً أصيلاً وليس غربياً دخيلاً، ولكنى فى مقالتى التنبؤية قلت إنه ما دام الرؤساء العرب قد صمموا على توريث أبنائهم فلندخل معهم نحن الشعوب فى صفقة أو عقد اجتماعى جديد نسلم لهم فيه بتوريث الأبناء وتحويل الجمهوريات إلى ملكيات مقابل أن تكون ملكيات دستورية، أى حكومات وبرلمانات منتخبة انتخابات حرة، كما هو الحال مثلاً فى هولندا واليابان والدانمارك والسويد، وحتى ماليزيا والمغرب والأردن».

والواقع أن المقال الثانى مع رحيل الحسن والحسين نوه بهذه النقطة فى مقارنة بين الملكيات العربية والجمهوريات العربية، ففى المغرب والأردن استطاع مليكاهما الحسن والحسين فى السنوات العشر السابقة لرحيلهما أن يحولا بلديهما تدريجياً إلى ملكيات دستورية، وجاء الوريثان محمد السادس فى المغرب وعبدالله الثانى فى الأردن ليكرسا هذا التحول إلى ملكية دستورية ديمقراطية وكتبت رسالة موجهة إلى الأسد وصدام والقذافى ومبارك وعلى عبدالله صالح فى أن يفكروا فى الاقتراح بجدية، ولكن يبدو أن القدر باغت الرئيس الأسد قبل أن ينظر فى اقتراحى بجدية، وكنت أرجو أن يفعل ذلك نجله الدكتور الفريق الرفيق بشار الأسد، كما كنت حينها أرجو طبعاً أن يسارع الرؤساء الأربعة الذين ما زالوا على قيد الحياة فى طرح اقتراحى للحوار العام، فإذا وافق عليه من أغلبية أرضية وليست فضائية فإنهم يضمنون لأولادهم وأحفادهم الملك والخلود ما داموا لن يحكموا، ونضمن نحن أبناء هذه الأمة أن نحكم أنفسنا ديمقراطياً بعد أن فعلت ذلك كل شعوب العالم الأخرى تقريباً، بما فيها شعوب أفريقيا الزنجية جنوب الصحراء، وننتقل من جملوكيات هزلية إلى ملكيات دستورية ديمقراطية جادة.

وفى اليوم الذى ظهر فيه المقال فى الصباح، وكان يوم جمعة، ذهبت لأصلى الجمعة كعادتى، وبعد الصلاة ذهبت إلى بائع الجرائد والمجلات لأحصل على نسخة من المجلة فوجدت الرجل الذى اعتاد أن يمنحنى ما أريد يقول لى فى دهشة: «ماذا فعلت يا دكتور؟»، فتعجبت قائلاً: «ماذا حدث؟»، فقال الرجل لقد جاءت سيارة شرطة وأخذوا جميع أعداد مجلة «المجلة» التى كانت صورتك هى غلافها وتحمل عنوان مقالك «الجملوكيات العربية»، ولكنى حجزت لك نسخة من المجلة، فحصلت عليها وشكرت الرجل، ولكنى عدت إلى منزلى شارداً من التفكير فيما حدث ولماذا يحدث؟ وهل يمكن أن يكون السبب مقالى؟ وإن كان فيبدو إذن أن الأمر أصبح خطراً، ويبدو أننى سأتعرض لما لم أتعرض له من قبل، وسرعان ما طردت كل تلك الأسئلة والهواجس، ودخلت إلى مكتبى أمارس بعض أعمالى وكتاباتى فى هدوء تام، خاصة أن زوجتى كانت خارج المنزل فى مؤتمر، وأبنائى كانوا فى رحلة، والشغالون فى إجازة، فلا يمكن أبداً تعويض هذا السكون.

فى منتصف ليلة 30 يونيو 2000 وجدت طرقاً على الباب، رغم أننى لم أكن منتظراً حضور ضيوف أو عودة أسرتى، وفتحت الباب لأجد مجموعة من رجال الشرطة يقتحمون منزلى، وكانوا حوالى 30 شخصاً، بينهم شخص ضخم الجثة اسمه «هشام بدوى»، رئيس نيابة أمن الدولة آنذاك، وضخم آخر اسمه الرائد ناصر محيى الدين، حيث قاموا جميعاً بتفتيش منزلى وصادروا معظم ما وجدوه من منقولات، ثم اقتادونى تحت تهديد السلاح فى موكب من عربات الترحيل المسلحة المليئة بجنود الأمن المركزى، وهنا أيقنت أن ما حدث من سحب مجلة «المجلة» كان بسبب المقال، ثم أخبرونى أنهم سيتوجهون إلى مكتبى بمركز ابن خلدون، وعندما وصلت إلى المركز وجدت أعداداً من سيارات الأمن المركزى وجنوده، لا يقلون عما وصفت، يحيطون بالمركز، وعندما دخلت وجدتهم متحفظين على المديرة المالية ومساعد لها وعاملة البوفيه، الذين كانوا موجودين؛ لأن اليوم كان هو يوم تسوية الحسابات، واكتشفت أنهم وصلوا إلى المركز أولاً وتحفظوا على من فيه وصادروا كمبيوترات وأوراقاً وكتباً خاصة بالمركز، وهنا سمعت صراخ مديرة الحسابات الطيبة «وكانت سودانية»، حيث كانت مكبلة معصوبة العينين، ويبدو أنهم عصابة وليسوا بوليساً، وهنا وللمرة الأولى اشتطت غضباً، وعلا صوتى، واحتججت على ما فعلوه بالعاملين معى وأخبرتهم أنهم يجب أن يفكوا وثاقهم وينزعوا العصابة عن أعينهم وإلا فلن أبدى أى تعاون بعد الآن.

واستجابوا بالفعل لما أردت وهدأت من روع العاملين معى، ثم صادروا كل منقولات المركز وألقوا القبض علىَّ ومعى 27 باحثاً من المركز وتحركوا بنا إلى مقر نيابة أمن الدولة فى ميدان المحكمة بمصر الجديدة، وشهدت فترة تحقيق طويلة وكنت حينها محبوساً فى سجن الاستقبال، وكانوا يستخدمون معى نوعاً من أنواع التعذيب الصينى، حيث كانوا يكبلوننى فى كرسى ويضعون بالقرب من رأسى حنفية تتساقط منها قطرات المياه فوق مركز المخ، ما سبب لى بعد ذلك انهياراً فى الجهاز العصبى، وبعد تحقيقات طويلة قدمت النيابة والمباحث القضية للمحكمة وكانت تتلخص فى 3 تهم موجهة إلىَّ وهى: «أولاً أننى تلقيت تبرعاً قدره 260 ألف يورو من المفوضية الأوروبية دون استئذان مسبق بالمخالفة لأمر عسكرى، وثانياً أننى تحايلت على الجهة التى تلقيت منها هذا المبلغ لكى أتربح، وفى سبيل ذلك اتفقت جنائياً مع آخرين لتقديم رشوة لموظفين عموميين، وثالثاً أننى أسأت إلى سمعة مصر بإذاعتى بيانات كاذبة وإشاعات مضللة عن تزوير الانتخابات واضطهاد الأقباط فى مصر، وذلك أيضاً للحصول على مزيد من المال من جهات تضمر الإضرار بمصر».

كانت هذه القضية محاولة يائسة من فلول النظام الشمولى التى كانت لاتزال تريد إبقاء السيطرة الكاملة على مقاليد الأمور فى الدولة والمجتمع وتريد احتكار الحقيقة، ويسيئها أى اجتهاد مستقل لفهم الدولة والمجتمع وإصلاح أمورهما، واعتبرونى شوكة فى حلقهم، ولذلك أرادوا إسكاتى، وأيضاً تكون بمثابة تحذير لكل باحث ومفكر قد ينسى وجود الخطوط الحمراء التى يضعها النظام الحاكم، ثم يتباهى بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكان الملمح الأساسى للادعاء المقام ضدى هو أن التهم الثلاث يعد كل منها سابقة فريدة فى تاريخ القضاء المصرى، حيث إنها كانت المرة الأولى التى يحاكم فيها شخص طبيعى أو معنوى بدعوى مخالفته لقرار الحاكم العسكرى رقم 4 لسنة 1992، وذلك على الرغم من أن هناك المئات بل الآلاف من المراكز البحثية التى تتلقى، مثل مركز ابن خلدون، هذا التمويل وبصورة منتظمة من الهيئات المانحة الأجنبية، وأيضاً كانت المرة الأولى التى يواجه فيها فرد اتهاماً بإشاعة بيانات وإشاعات مغرضة بغرض الإساءة لسمعة مصر بالخارج باستثناء حالة الكاتب الصحفى صلاح عيسى، التى كانت عام 1974، وأيضاً كانت المرة الأولى التى تقحم الدولة نفسها فيما بين أطراف عقد مدنى خاص دون أن يطلب منها أى من هذه الأطراف التدخل للتحقيق فيما إذا كان أحد الأطراف قد تحايل على الآخر، ثم تقرر، وبإصرار غير مبرر، توجيه الاتهام لمن بدا لها أنه مذنب، ضاربة عرض الحائط باعتراض واحتجاج من ادعت بأنه الضحية.

وبناء على ذلك، أصدرت المحكمة، التى تشكلت برئاسة عادل عبدالسلام جمعة، وعضوية محمد حماد عبدالهادى والدكتور أسامة جامع والمستشارين بمحكمة استئناف القاهرة، والأستاذ سامح سيف، رئيس نيابة أمن الدولة، والأستاذ أشرف هلال، وكيل أول نيابة أمن الدولة، حكمها فى القضية رقم 13422 لسنة 2000 ورقم 2561 لسنة 2000 كلى، فى جلسة يوم الاثنين الموافق 29 يوليو 2002 بمعاقبتى بالسجن 7 سنوات.

المصدر: الوطن

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على "الوطن" تنفرد بنشر أخطر "الصفحات المفقودة" في مذكرات سعد الدين إبراهيم

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
98852

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
استطلاع رأي طريق الأخبار
أرشيف استطلاعات الرأي

استطلاع رأي طريق الاخبار

أهم توقعاتك لمستقبل مصر بعد تنصيب السيسي؟

إظهار النتائج

نتائج استطلاع رأي طريق الاخبار لا تعبر عن رأي الموقع انما تعبر عن رأي المشاركين في الاستطلاع

إرسل إلى صديق
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث الاخبار العربية والعالمية